أقل ما يقال عن فيروس كورونا أنه لا يختار من يصيب. فمنذ انتشاره في كانون الأول/ديسمبر 2019، أودى بحياة مسؤولين سياسيين كبار وشخصيات ذات نفوذ واسع حول العالم. وقد تفسر الإصابات وسط هذه الشريحة، خاصة منهم السياسيون، بسبب احتكاكهم الدائم مع المواطنين، ما يساعد على انتقال العدوى لهم.
خلافا عن بعض الأوبئة التي تصفها منظمة أطباء بلا حدود الطبية بـ"الأمراض المنسية" مثل مرض النعاس والشاغاس وحمى المستنقعات والزيكا... والتي غالبا ما تصيب المجتمعات الأفريقية الفقيرة، فأحد ميزات فيروس كورونا أنه لا يفرق بين عربي وأعجمي ولا بين غني وفقير أو بين شخص عادي ومسؤول سياسي، رئيسا للبلاد كان أم أميرا، فالكل سواسية.
ففي فرنسا، أودى هذا الوباء بحياة وزير سابق. وهو باتريك دوفيدجان الذي توفي السبت الماضي عن عمر ناهز 75 عاما. رئيس مجلس مقاطعات "أوت دو سين السابق لم يتمكن من التغلب على هذا الفيروس رغم العلاج الذي قدم له في الوقت المناسب. نفس المصير عرفه جاك لاجين، رئيس بلدية "بور- بوغاي" وهي قرية صغيرة تقع قرب مدينة "ديجون" في منطقة "بورغون" وسط فرنسا.
هذا العمدة الذي توفى عن عمر ناهز 82 عاما وأصيب بفيروس كورونا بعد أسبوع فقط من انتهاء الانتخابات البلدية، فيما رجح العديد من سكان هذه القرية (130 شخصا) أن تكون لقاءاته مع الناخبين ومواكبته للعملية الانتخابية من بين الأسباب التي جعلته يصاب بالفيروس ويفارق الحياة.
في منطقة "الألزاس" (شرق فرنسا) وبالتحديد في قرية "سانت بابور" توفى فرانسوا لانتز رئيس بلدية هذه القرية عن عمر ناهز 74 عاما قبل ثلاثة أيام بالرغم من أنه لم يشارك في الانتخابات.
وحسب تصريح أدلى به لجريدة "لوبارزيان"، توقع أندري لانييل، نائب رئيس جمعية رؤساء بلديات فرنسا، أن يكون عدد المصابين بفيروس كورونا في أوساط المنتخبين البلديين أعلى مما هو معلن. وقال "من الصعب أن نكّون فكرة دقيقة عن أعداد المصابين لكن يبدو أن النسبة مرتفعة مقارنة بعدد السكان".
فيروس كورونا يفتك بمسؤولين إيرانيين كبار
وإن كان فيروس كورونا لم يحصد عددا كبيرا من الأرواح بين المسؤولين السياسيين، فلقد أصاب بالمقابل الكثير منهم خاصة في صفوف النواب الفرنسيين (18 على الأقل حسب جريدة لوبارزيان) فضلا عن ثلاثة وزراء وكتّاب دولة من أصل 38، وفي مقدمتهم وزير الثقافة والاتصال فرانك رييستر والذي كان أول من أعلن عن إصابته بفيروس كوفيد 19.
في العالم، فيروس كورونا دخل أيضا منازل الأغنياء ورجال السياسة. ففي إيران، قتل هذا الوباء المستجد 12 شخصية سياسية على الأقل، أبرزها محمد مير محمدي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، والرجل الديني والسياسي المعروف آية الله هاشم بطحائي، فضلا عن النائب محمد رمضاني ومسؤولين آخرين مقربين من السلطة.
إصابات تطال مسؤولين رفيعي المستوى حول العالم
في بريطانيا، هرم السلطة أصيب هو أيضا بفيروس كورونا. إذ أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون (55 عاما) أنه وضع نفسه قيد الحجر الصحي ليكون الشخصية السياسية البريطانية البارزة المصابة بهذا الوباء بعد الأمير شارل (71 عاما). هذا، وقد تم توجيه انتقادات للبرلمانيين البريطانيين إذا اعتبر متحدث لجريدة "ساندي تايمز" لم يكشف عن هويته أن "البرلمانيين البريطانيين شديدو العدوى لأن نصفهم يتجول في دوائرهم الانتخابية للقاء الناخبين والنصف الآخر يتشاجر على كراسي من الجلد في "وينسمنستر" وهو مقر البرلمان البريطاني.
أما في بوركينا فاسو، فأصيب سبعة وزراء بفيروس كورنا، بينما توفيت النائبة الثانية لرئيس البرلمان. والسيناريو متشابه في كثير من دول العالم حيث تعرض مسؤولون كبار أو زوجاتهم مثل ألبير الثاني حاكم إمارة موناكو، وزوجة رئيس الوزراء الكندي صوفي ترودو، وفابيو واجنغارتن المسؤول الإعلامي في مكتب رئيس البرازيل بولسورنارو... إلى الإصابة بفيروس "كوفيد19".
ويرى الباحث في تاريخ السياسة جان غاريغيس أن طبيعة عمل المسؤولين السياسيين والمنتخبين تجعلهم يتقربون أكثر إلى المجتمع ويلتقون بالعديد من الناس. وقال لصحيفة "لوبارزيان" أعتقد أنه لا يوجد وظائف كثيرة التي تفرض لقاءات عديدة ومباشرة مع الناس في الميدان كالسياسة. فالمدرس مثلا يمكن أن يكون على اتصال مع مدرسين آخرين أو مع الطلبة بمجرد استخدام تقنيات الاتصال عن بعد. لكن هذه التقنية من الصعب أن يستخدمها الرجل السياسي أو المنتخب كونهما يحتاجان إلى اتصال مباشر مع الناس والتقرب إليهم. فهذه اللقاءات تشكل فرصة لانتقال العدوى من شخص إلى آخر".
حصانة برلمانية وليست حصانة ضد فيروس كورونا
في فرنسا أيضا، ما زاد من انتشار فيروس كورونا هو ظهوره خلال حملة الانتخابات البلدية بدون أن يأخذ المرشحون احتياطاتهم الصحية بشكل صارم كغسل اليدين وفرض مسافة متر أو أكثر خلال تبادلاتهم مع الناخبين خاصة في الأسواق والقاعات شبه المغلقة.
من جهته اعترف فيليب لوران رئيس بلدية "سو" في منطقة "أوت دو سين" أنه "كان من الصعب جدا رفض مصافحة الناخبين أثناء الحملة". فيما أضاف أندريه لانييل نائب رئيس جمعية رؤساء بلديات فرنسا "عندما تتصل بنا امرأة مسنة وتقول بأن الدواء الذي كانت تتناوله قد نفد، فرئيس البلدية هو الذي يذهب بسيارته إلى صيدلية تقع غالبا على بعد 20 كيلومترا لإحضاره".
وأنهى شخص لم يذكر اسمه بنوع من السخرية "صحيح أن أعضاء مجلس الشيوخ والجمعيات الوطنية والمنتخبين في العالم يتمتعون بالحصانة البرلمانية لكنهم لا يملكون حصانة ضد فيروس كورونا".